فصل: باب البئر وما يحدث منها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.باب البئر وما يحدث منها:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا احْتَفَرَ الرَّجُلُ بِئْرًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَوَقَعَ فِيهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ فَمَاتَ فَضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ لِحَدِيثِ شُرَيْحٍ فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ حَفَرَ بِئْرًا عِنْدَ دَرْبِ أُسَامَةَ فَوَقَعَتْ فِيهَا بَغْلَةٌ فَضَمَّنَهُ شُرَيْحٌ قِيمَتَهَا وَكَانَ قَضَاؤُهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْحَافِرَ بِمَنْزِلَةِ الدَّافِعِ لِلْوَاقِعِ فِي مَهْوَاهُ فَإِنَّهُ بِفِعْلِهِ أَزَالَ الْمُسْكَةَ عَنْ الْأَرْضِ وَالْآدَمِيُّ لَا يُسْتَمْسَكُ إلَّا بِمُسْكَةٍ فَإِزَالَةُ مَا بِهِ كَانَ مُسْتَمْسِكًا إيجَادُ شَرْطِ الْوُقُوعِ.
وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ مَجَازًا عِنْدَ إضَافَتِهِ إلَى السَّبَبِ وَالسَّبَبُ هَاهُنَا ثِقَلُ الْمَاشِي فِي نَفْسِهِ وَلَا يُمْكِنُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ إذْ لَا صُنْعَ لِأَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ فِيهِ فَيَصِيرُ مُضَافًا إلَى الشَّرْطِ وَلِأَنَّ الْحَافِرَ سَبَبٌ لِوُقُوعِهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا السَّبَبِ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِي الطَّرِيقِ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ وَيَخْرُجُ بِهِ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَمَرًّا لَهُمْ ثُمَّ الضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ دُونَ الْمُخْطِئِ وَفِعْلُ الْمُخْطِئِ اتَّصَلَ بِالْمُتْلَفِ وَفِعْلُ الْحَافِرِ اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ فَمَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ فِعْلِ الْمُخْطِئِ يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ هَاهُنَا بِطَرِيقِ الْأُولَى وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ مُبَاشَرَةً وَقَدْ يَكُونُ الْحَافِرُ مَبْنِيًّا عَلَى وُقُوعِ الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ فَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِي ذَلِكَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَوْجَبَ الضَّمَانَ عَلَى الْحَافِرِ مُطْلَقًا وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ هَذَا إذَا مَاتَ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ فَإِنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَمَاتَ جُوعًا أَوْ غَمًّا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَافِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ مَاتَ جُوعًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ غَمًّا فَالْحَافِرُ ضَامِنٌ لَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ ضَامِنٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّمَا يَصِيرُ هَلَاكُهُ مُضَافًا إلَى الْحَافِرِ إذَا هَلَكَ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ فَيُجْعَلُ الْحَافِرُ كَالدَّافِعِ لَهُ فَأَمَّا إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ سَبَبٌ آخَرُ لِهَلَاكِهِ كَالْجُوعِ الَّذِي هَاجَ مِنْ طَبْعِهِ أَوْ الْغَمُّ الَّذِي أَثَّرَ فِي قَلْبِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ هَلَاكُهُ مُضَافًا إلَى هَذَا السَّبَبِ وَلَا صُنْعَ لِلْحَافِرِ فِيهِ وَأَبُو يُوسُفَ لَمَا سَبَبٌ لِلْغَمِّ سِوَى الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ فَأَمَّا الْجُوعُ فَلَهُ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ بُعْدُ الطَّعَامِ عَنْهُ وَاحْتِرَاقُ مَعِدَتِهِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَوَادِّ الطَّعَامِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: كُلُّ ذَلِكَ إنَّمَا حَدَثَ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ لَوْلَاهُ لَكَانَ الطَّعَامُ قَرِيبًا مِنْهُ وَالْحَافِرُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ السَّبَبِ وَالْحُكْمُ تَارَةً يُضَافُ إلَى السَّبَبِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَتَارَةً بِوَاسِطَةٍ فَكَذَلِكَ يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ تَارَةً بِوَاسِطَةٍ وَتَارَةً بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَ عَلَيْهَا أُجَرَاءَ فَحَفَرُوهَا لَهُ فَذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآجِرِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا فِي غَيْرِ فِنَائِهِ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الرُّؤَسَاءِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَا بَاشَرَ الْحَفْرَ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَ الْأُجَرَاءَ لِذَلِكَ ثُمَّ ضَمَّنَّهُ شُرَيْحٌ وَهَذَا لِأَنَّ الْأُجَرَاءَ يَعْمَلُونَ لَهُ وَلِهَذَا يَسْتَوْجِبُونَ عَلَيْهِ الْأَجْرَ وَقَدْ صَارُوا مَغْرُورِينَ مِنْ جِهَتِهِ حِينَ لَمْ يُعْلِمْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَيْسَ مِنْ فِنَائِهِ وَإِنَّمَا حَفَرُوا اعْتِمَادًا عَلَى أَمْرِهِ وَعَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِنَائِهِ فَلِدَفْعِ ضَرَرِ الْغُرُورِ انْتَقَلَ فِعْلُهُمْ إلَى الْآمِرِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ حَفَرَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ فِنَائِهِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ جُنَاةٌ فِي الْحَفْرِ وَأَمْرُهُ إيَّاهُمْ بِالْحَفْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْحَفْرِ بِنَفْسِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ لِإِثْبَاتِ صِفَةِ الْحِلِّ بِهِ وَلِدَفْعِ الْغُرُورِ عَنْ الْحَافِرِ بِهِ وَقَدْ انْعَدَمَا جَمِيعًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ أَمْرِهِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الَّذِينَ بَاشَرُوا الْحَفْرَ.
وَإِنْ كَانَ فِي فِنَائِهِ فَهُوَ عَلَى الْآمِرِ دُونَ الْأُجَرَاءِ عَلِمُوا أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا لِأَنَّ أَمْرَهُ فِي فِنَائِهِ مُعْتَبَرٌ فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِي فِنَائِهِ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ وَهَذَا لِأَنَّ الْفِنَاءَ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ اخْتَصَّ صَاحِبُ الْمِلْكِ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ حَيْثُ كَسْرُ الْحَطَبِ وَإِيقَافُ الدَّوَابِّ وَإِلْقَاءُ الْكُنَاسَةِ فِيهِ فَكَانَ أَمْرُهُ مُعْتَبَرًا فِي الْحِلِّ وَانْتَقَلَ فِعْلُ الْآمِرِ إلَيْهِ بِهَذَا الْأَمْرِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ سَقَطَتْ فِيهِ دَابَّةٌ فَعَطِبَتْ فَضَمَانُهُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ وَإِنَّمَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ النُّفُوسَ مِنْ الْأَحْرَارِ وَالْمَمَالِيكِ بِدَلِيلِ حَالَةِ الْخَطَأِ وَإِذَا وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ مُتَعَمِّدًا لِلسُّقُوطِ فِيهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا وَلَوْ أَوْقَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْحَافِرِ شَيْءٌ وَهَذَا لِأَنَّ وَضْعَهُ الْقَدَمَ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَعَ عِلْمِهِ تَعَدٍّ مِنْهُ وَمُبَاشَرَةُ فِعْلِ إلْقَاءِ النَّفْسِ فِي الْمَهْلَكَةِ وَإِنَّمَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الشَّرْطِ إذَا تَعَذَّرَ إضَافَتُهُ إلَى السَّبَبِ فَأَمَّا مَعَ إمْكَانِ الْإِضَافَةِ إلَى السَّبَبِ فَلَا يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ قَالَ: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَرْبَعَةَ رَهْطٍ يَحْفِرُونَ لَهُ بِئْرًا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ حَفْرِهِمْ فَقَتَلَتْ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ رُبْعُ دِيَتِهِ وَسَقَطَ الرُّبْعُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا أَعْوَانًا لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ عَلَيْهِمْ مَا سَقَطَ بِفِعْلِهِمْ فَكَانُوا مُبَاشِرِينَ لِسَبَبِ الْإِتْلَافِ وَالْقَتِيلُ أَحَدُ الْمُبَاشِرِينَ فَتُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ وَيَسْقُطُ مِنْهُ حِصَّةُ الْقَتِيلِ بِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَيَبْقَى حِصَّةُ الثَّلَاثَةِ بِجِنَايَتِهِمْ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ عَشَرَةَ نَفَرٍ مَدُّوا الْحِلَّةَ فَسَقَطَتْ عَلَى أَحَدِهِمْ فَقَتَلَتْهُ فَقَضَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التِّسْعَةِ بِعُشْرِ الدِّيَةِ وَأَسْقَطَ الْعُشْرَ حِصَّةَ الْمَقْتُولِ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى فِي الْقَارِصَةِ وَالْوَاقِصَةِ وَالْقَامِصَةِ بِالدِّيَةِ أَثْلَاثًا وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ ثَلَاثَ جَوَارٍ كُنَّ يَلْعَبْنَ فَرَكِبَتْ إحْدَاهُنَّ صَاحِبَتَهَا فَقَرَصَتْ الثَّالِثَةُ الْمَرْكُوبَةَ فَقَمَصَتْ الْمَرْكُوبَةُ وَوَقَعَتْ الرَّاكِبَةُ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا فَقَضَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِثُلُثِ الدِّيَةِ عَلَى الْقَارِصَةِ وَبِالثُّلُثِ عَلَى الْقَامِصَةِ وَأَسْقَطَ الثُّلُثَ حِصَّةَ الْوَاقِصَةِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَحْفِرُ بِئْرًا فِي فِنَائِهِ فَضَمَانُ مَا يَقَعُ فِيهَا عَلَى الْحَافِرِ وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ يَدْفَعُ بِهِ أَوْ يَفْدِي وَلَمْ يَفْصِلْ هَاهُنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ عَالِمًا بِذَلِكَ أَوْ غَيْرَ عَالَمٍ بِخِلَافِ الْحُرِّ وَالْفَرْقُ هُنَاكَ لِمَعْنَى الْغُرُورِ وَلَا غُرُورَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ فَإِنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ فِي الْفَصْلَيْنِ عَلَى السَّيِّدِ فَلِهَذَا جَعَلَ فِعْلَ عَبْدِهِ بِأَمْرِهِ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ.
وَإِذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَحَفَرَ مِنْهَا طَائِفَةً فِي أَسْفَلِهَا ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَضْمَنَ الْأَوَّلُ كَأَنَّهُ الدَّافِعُ وَبِهِ يَأْخُذُ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بِمَا حَفَرَ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ يَصِيرُ كَالدَّافِعِ لِمَنْ سَقَطَ فِي الْقَعْرِ الَّذِي حَفَرَهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ جَوَابَ الِاسْتِحْسَانِ فِيهِ وَالِاسْتِحْسَانُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ هَلَاكَهُ كَانَ بِسَبَبِ فِعْلِهِمَا فَإِنَّ الْوَاقِعَ فِي الْبِئْرِ إنَّمَا يَهْلِكُ عِنْدَ عُمْقِ الْبِئْرِ وَإِتْمَامُ ذَلِكَ بِفِعْلِ الثَّانِي وَقَدْ انْضَمَّ فِعْلُهُ إلَى فِعْلِ الْأَوَّلِ فِي إتْمَامِ شَرْطِ الْإِتْلَافِ فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَلَكِنَّهُ أَخَذَ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ وَجْهَ الْقِيَاسِ أَقْوَى فَإِنَّ التَّعَدِّيَ فِي التَّسْبِيبِ مِنْ حِينِ إزَالَةِ الْمِسْكَةِ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ وَإِخْرَاجُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَمَرًّا وَإِنَّمَا حَصَلَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الْأَوَّلِ وَلَوْ وَسَّعَ أَحَدٌ رَأْسَهَا فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَتَأْوِيلُ هَذَا أَنَّ الثَّانِيَ وَسَّعَ رَأْسَهَا قَلِيلًا عَلَى وَجْهٍ يَعْلَمُ أَنَّ السَّاقِطَ إنَّمَا وَضَعَ قَدَمَهُ فِي مَوْضِعِ بَعْضِهِ مِنْ حَفْرِ الْأَوَّلِ وَبَعْضُهُ مِنْ فِعْلِ الثَّانِي فَأَمَّا إذَا وَسَّعَ رَأْسَهَا كَثِيرًا عَلَى وَجْهٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنَّمَا وَضَعَ قَدَمَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حَفَرَهُ الثَّانِي فَالضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ الثَّانِيَ كَالدَّافِعِ لِلْوَاقِعِ بِمَا حَفَرَ فِي الْبِئْرِ الَّذِي حَفَرَهَا الْأَوَّلُ وَالضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْوَاقِعَ إنَّمَا وَضَعَ قَدَمَهُ فِيمَا حَفَرَ الْأَوَّلُ خَاصَّةً فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْجَدَ شَرْطَ وُقُوعِهِ حِينَ أَزَالَ الْمِسْكَةَ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَ فِيهِ قَدَمَهُ وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ سَدَّهَا بِطِينٍ أَوْ تُرَابٍ أَوْ جِصٍّ فَجَاءَ آخَرُ فَاحْتَفَرَهَا فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ نَسَخَ فِعْلَهُ لِأَنَّهُ طَمَّهَا بِمَا تُطَمُّ بِهِ الْآبَارُ فَعَادَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ أَرْضًا كَمَا كَانَ وَإِنَّمَا الثَّانِي هُوَ الْحَافِرُ لِلْبِئْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَوْ سَدَّ الْأَوَّلُ رَأْسَهَا وَاسْتَوْثَقَ مِنْهَا فَجَاءَ الْآخَرُ فَنَقَضَ ذَلِكَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ مَا انْتَسَخَ فَإِنَّهَا بِئْرٌ وَإِنْ سَدَّ رَأْسَهَا إلَّا أَنَّهُ اسْتَتَرَ بِمَا فَعَلَ وَالثَّانِي إنَّمَا أَظْهَرَ فِعْلَ الْأَوَّلِ فَيَبْقَى الضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ وَهَذَا لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ الثَّانِي مِنْ فَتْحِ رَأْسِ الْبِئْرِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِهَلَاكِهِ لَوْ لَا الْبِئْرُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَمَا فَعَلَهُ الثَّانِي هُنَاكَ مُوجِبٌ هَلَاكَ الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ مِنْ الْأَوَّلِ أَصْلًا وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَ فِيهَا طَعَامًا أَوْ مَتَاعًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا تُسَدُّ بِهِ الْآبَارُ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ حُكْمَ فِعْلِهِ لَمْ يُنْسَخْ بِمَا صَنَعَ فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِئْرٌ وَإِنْ جَعَلَ فِيهَا الطَّعَامَ وَفِعْلُ الْأَوَّلِ كَانَ حَفْرَ الْبِئْرِ وَمَا بَقِيَ اسْمُ الْبِئْرِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بَقِيَ حُكْمُ فِعْلِهِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَلَوْ تَعَقَّلَ بِحَجَرٍ فَسَقَطَ فِي الْبِئْرِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي إحْدَاثِ الْحَجَرِ فِي الطَّرِيقِ فَيَصِيرُ بِهِ كَالدَّافِعِ لِمَنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَضَعَ الْحَجَرَ أَحَدٌ فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ شَفِيرِ الْبِئْرِ أَوْ جَاءَ بِهِ سَيْلٌ فَالضَّمَانُ عَلَى حَافِرِ الْبِئْرِ لِأَنَّ التَّعَقُّلَ بِالْحَجَرِ هَاهُنَا غَيْرُ صَالِحٍ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ حِينَ لَمْ يَكُنْ بِصُنْعِ أَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْبِئْرِ وَلَوْ وَضَعَ رَجُلٌ فِي هَذِهِ الْبِئْرِ حَجَرًا أَوْ حَدِيدًا فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَقَتَلَهُ الْحَجَرُ أَوْ الْحَدِيدُ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّافِعِ لِلْوَاقِعِ عَلَى الْحَجَرِ أَوْ الْحَدِيدِ وَإِنَّمَا يُضَافُ الْإِتْلَافُ إلَى الدَّافِعِ.
وَإِذَا حَفَرَ إنْسَانٌ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ فَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا فَشَجَّهُ رَجُلَانِ فَمَرِضَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا لِأَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ الْجِرَاحَةِ بِالْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ مُضَافٌ إلَى الْحَافِرِ فَكَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِيَدِهِ وَالْمُعْتَبَرُ عَدَدُ الْجُنَاةِ لَا عَدَدُ الْجِنَايَاتِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ رَجُلَانِ وَشَجَّهُ رَجُلٌ آخَرُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ اللَّذَيْنِ قَطَعَا يَدَيْهِ شَجَّهُ أَحَدُهُمَا شَجَّةً أُخْرَى لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَدُ الْجُنَاةِ فَقَدْ يَتْلَفُ الْمَرْءُ مِنْ جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَسْلَمُ مِنْ عَشْرِ جِرَاحَاتٍ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ جَرَحَهُ جُرْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَجَرَحَهُ الْآخَرُ جِرَاحَةً صَغِيرَةً كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الرِّجَالِ وَلَا يَكُونُ عَلَى عِظَمِ الْجِرَاحَةِ وَلَا عَلَى صِغَرِهَا وَلَا عَلَى عَدَدِ جِرَاحِهَا لِأَنَّ كُلَّ جِرَاحَةٍ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِلْإِتْلَافِ وَبِكَثْرَةِ الْعِلَلِ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ لَا يَزْدَادُ مَعْنًى بِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا وَإِذَا وَقَعَ الرَّجُلُ فِي بِئْرٍ فِي الطَّرِيقِ فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ وَتَعَلَّقَ الْآخَرُ بِآخَرَ فَوَقَعُوا جَمِيعًا فَمَاتُوا وَلَمْ يَقَعْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَى الَّذِي حَفَرَ الْبِئْرَ وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي وَالْحَاصِلُ إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ.
: أَحَدُهُمَا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُمْ كَيْف مَاتُوا بِأَنْ خَرَجُوا مِنْ الْبِئْرِ أَحْيَاءَ وَأَخْبَرُوا بِذَلِكَ فَنَقُولُ فِي هَذَا الْوَجْهِ مَوْتُ الْأَوَّلِ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَاتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ لِأَنَّهُ كَالدَّافِعِ لَهُ فِي مَهْوَاهُ وَالثَّانِي أَنْ يَمُوتَ مِنْ وُقُوعِ الثَّانِي عَلَيْهِ فَدَمُهُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَرَّ الثَّانِي عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُتْلِفًا نَفْسَهُ وَالثَّالِثُ أَنْ يَمُوتَ مِنْ وُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ فَتَكُونُ دِيَتُهُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَرَّ الثَّالِثَ وَالرَّابِعُ أَنْ يَمُوتَ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ وَوُقُوعِ الثَّانِي عَلَيْهِ فَيَجِبُ نِصْفُ دِيَتِهِ عَلَيْهِ وَيُهْدَرُ نِصْفُهَا لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ وَجَنَى عَلَيْهِ الْحَافِرُ وَالْخَامِسُ أَنْ يَمُوتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ وَوُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ فَتَكُونَ دِيَتُهُ عَلَى الْحَافِرِ وَعَلَى الثَّانِي نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الثَّانِيَ جَانٍ عَلَيْهِ بِجَرِّ الثَّالِثِ وَالْحَافِرُ جَانٍ بِالْحَفْرِ وَالسَّادِسُ أَنْ يَمُوتَ مِنْ وُقُوعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَيْهِ فَيُهْدَرُ نِصْفُ دَمِهِ وَيَجِبُ نِصْفُ دِيَتِهِ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ وَجَنَى عَلَيْهِ الثَّانِي وَالسَّابِعُ أَنْ يَمُوتَ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ وَمِنْ وُقُوعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ ثُلُثُ دِيَتِهِ عَلَى الْحَافِرِ وَثُلُثُهَا عَلَى الثَّانِي بِجَرِّ الثَّالِثِ عَلَيْهِ وَيُهْدَرُ ثُلُثُهَا لِأَنَّهُ بِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِجَرِّهِ الثَّانِيَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَوْتِهِ وُجُوهٌ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَاتَ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ فَتَكُونُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَرَّهُ إلَى مُهْوَاةٍ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الدَّافِعِ لَهُ وَالثَّانِي أَنْ يَمُوتَ مِنْ وُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ فَيَكُونَ دَمُهُ هَدَرًا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَرَّ الثَّالِثَ عَلَى نَفْسِهِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَمُوتَ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ وَوُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ نِصْفُ دِيَتِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَيُهْدَرُ نِصْفُ دِيَتِهِ بِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِمَوْتِهِ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ فَتَكُونَ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَرَّهُ فِي مُهْوَاةٍ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ إذَا مَاتُوا فِي الْبِئْرِ وَلَا يُعْلَمُ كَيْف مَاتُوا فَإِنْ لَمْ يَقَعْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَى الَّذِي احْتَفَرَ الْبِئْرَ لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِمَوْتِهِ سِوَى الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ حِينَ جَرَّهُ إلَى مُهْوَاةٍ وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مَوْتَى وَلَا يُعْلَمُ كَيْف كَانَ حَالُهُمْ فَالْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّ صَاحِبَ الْبِئْرِ يَضْمَنُ الْأَوَّلَ وَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ وَيَضْمَنُ الثَّانِي الثَّالِثَ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ لِأَنَّ وُقُوعَ الْأَوَّلِ فِي الْبِئْرِ سَبَبٌ لِهَلَاكِهِ وَهُوَ أَسْبَقُ الْأَسْبَابِ وَقَدْ ظَهَرَ الْحُكْمُ عَقِيبَهُ فَيَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِ وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ مَوْتِهِ مِنْ وُقُوعِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ تَرَجَّحَ بِالسَّبْقِ وَالسَّابِقُ وُقُوعُهُ فِي الْبِئْرِ وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الثَّانِي أَسْبَقُ الْأَسْبَابِ الْوُقُوعُ فِي الْبِئْرِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى الْأَوَّلِ وَفِي حَقِّ الثَّالِثِ لَا سَبَبَ لِمَوْتِهِ سِوَى الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى الْأَوَّلِ فَضَمَانُهُ عَلَى الثَّانِي وَقَالَ: وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ وَقِيلَ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا إنَّ دِيَةَ الْأَوَّلِ أَثْلَاثٌ فَثُلُثُهَا عَلَى الْحَافِرِ وَثُلُثُهَا عَلَى الثَّانِي وَثُلُثُهَا هَدَرٌ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِمَوْتِهِ أَسْبَابٌ ثَلَاثَةٌ وُقُوعُهُ فِي الْبِئْرِ وَوُقُوعُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْبَعْضِ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَالتَّرْجِيحُ فِي هَذَا لَا يَقَعُ بِالسَّبْقِ كَمَا فِي الْجِرَاحَاتِ فَيَكُونُ ثُلُثُ دِيَتِهِ عَلَى الْحَافِرِ وَثُلُثُهُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ جَرَّ الثَّالِثَ إلَيْهِ وَثُلُثُهُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَرَّ الثَّانِي عَلَيْهِ وَدِيَةُ الثَّانِي نِصْفَيْنِ نِصْفُهُ هَدَرٌ وَنِصْفُهُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لِمَوْتِهِ سَبَبَانِ فَيُضَافُ إلَيْهِمَا وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي كُلِّهَا لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِمَوْتِهِ سِوَى جَرِّ الثَّانِي إيَّاهُ إلَى نَفْسِهِ قَالَ: فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ مَاتُوا يَبْطُلُ نِصْفُ ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ بِالنِّصْفِ قِيلَ: لَيْسَ مُرَادُهُ حَقِيقَةَ الْمُنَاصَفَةِ بَلْ مُرَادُهُ التَّبْعِيضُ وَالِانْقِسَامُ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ أَثْلَاثًا فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْمُنَاصَفَةَ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ حَقَّ الثَّانِي خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ جَمِيعَ دِيَةِ الثَّالِثِ وَاجِبٌ عَلَى الثَّانِي فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا قَالَ فِي الزَّوَائِدِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ نَأْخُذُ.
وَإِذَا دَفَعَ رَجُلٌ رَجُلًا فِي بِئْرٍ فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ لِإِتْلَافِهِ وَمُبَاشَرَةُ الْقَتْلِ لَا تَخْتَلِفُ فِي الْمِلْكِ وَغَيْرِ الْمِلْكِ كَالدَّمِ.
وَإِذَا سَقَطَ الرَّجُلُ فِي بِئْرٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ الْحَافِرُ: أَلْقَى نَفْسَهُ فِيهَا عَمْدًا، وَقَالَ وَرَثَةُ الرَّجُلِ: كَذَبَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَافِرِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُمْ فَالْإِنْسَانُ لَا يُلْقِي نَفْسَهُ فِي الْبِئْرِ عَمْدًا فِي الْعَادَةِ فَعِنْدَ الْمُنَازَعَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: الضَّمَانُ بِالشَّكِّ لَا يَجِبُ وَالظَّاهِرُ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا لِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ وَحَاجَةُ الْوَرَثَةِ هَاهُنَا إلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ فَلَا يَكْفِيهِمْ الظَّاهِرُ لِذَلِكَ بَلْ يَحْتَاجُونَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ فِيهَا بِغَيْرِ عَمْدٍ وَهَذَا الظَّاهِرُ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَصِيرَ يَرَى الْبِئْرَ أَمَامَهُ فِي مَمْشَاهُ فَيَتَقَابَلُ الظَّاهِرَانِ وَيَبْقَى الِاحْتِمَالُ فِي سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَلَا نُوجِبُهُ بِالشَّكِّ وَإِذَا أَمَرَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ لَيْسَ عِنْدَ دَارِهِ فَحَفَرَهَا كَانَ مَا وَقَعَ فِيهَا فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ يَدْفَعُهُ بِهِ الْمَوْلَى أَوْ يَفْدِيهِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْحُرِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْغُرُورَ لَا يَتَمَكَّنُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَبَيْنَ عَبْدِهِ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَحُرًّا وَمُكَاتَبًا يَحْفِرُونَ لَهُ بِئْرًا فَحَفَرُوهَا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ حَفْرِهِمْ فَمَاتُوا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْحُرِّ وَالْمُكَاتَبِ وَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يُؤَدِّيهَا إلَى مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا لِلْعَبْدِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَالْعَبْدُ الْمَحْجُورُ يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ بِخِلَافِ الْحُرِّ وَالْمُكَاتَبِ فَهُوَ ضَامِنٌ فَإِذَا مَاتُوا فِي حَالَةِ مَا كَانَ مُسْتَعْمَلًا لَهُمْ كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَةِ الْعَبْدِ ثُمَّ هَذِهِ الْقِيمَةُ بَدَلٌ عَنْ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ الْجَانِي إذَا أَخْلَفَ بَدَلًا يَتَعَلَّقُ حَقُّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ بِذَلِكَ الْبَدَلِ.
فَنَقُولُ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْجِنَايَةِ: إنَّ مَوْتَهُمْ حَصَلَ مِنْ فِعْلِهِمْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَكُونُ جَانِيًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ فَيَنْقَسِمُ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَثْلَاثًا فَالْعَبْدُ الْمَحْجُورُ أَتْلَفَ ثُلُثَ الْحُرِّ فَيَرْجِعُ وَلِيُّهُ بِثُلُثِ دِيَةِ الْحُرِّ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَتْلَفَ ثُلُثَ الْمُكَاتَبِ فَيَرْجِعُ وَلِيُّ الْمُكَاتَبِ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ فَيُقْسِمُونَ الْقِيمَةَ الَّتِي أَخَذَهَا مَوْلَاهُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ فَيَكُونَ الْفَضْلُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَوْفَى كَمَالَ حَقِّهِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِمَا أَخَذُوا مِنْهُ مِنْ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ كَانَ غَصَبَ الْعَبْدَ فَارِغًا وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ مَشْغُولًا بِجِنَايَةٍ كَانَتْ مِنْ الْعَبْدِ فِي يَدِهِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّتْ بِذَلِكَ الشَّغْلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا مَرَّةً أُخْرَى لِتَسْلَمَ لَهُ قِيمَةُ عَبْدِهِ فَارِغًا ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ قَدْ مَلَكَ الْعَبْدَ حِينَ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ وَقَدْ تَلِفَ ثُلُثُ نَفْسِهِ بِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ هَدَرًا وَثُلُثُهُ بِجِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ أَوْلِيَاءُ الْمُكَاتَبِ يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ ثُلُثَ نَفْسِهِ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْحُرِّ فَيَجْمَعُ مَا أَخَذَ أَوْلِيَاءُ الْمُكَاتَبِ إلَى مَا تَرَكَهُ فَيَنْظُرُ قِيمَتَهُ مِنْ ذَلِكَ فَيُقَرِّرُ فَيَخْرُجُ وَيَضْرِبُ فِيهَا أَوْلِيَاءُ الْحُرِّ بِثُلُثِ دِيَةِ الْحُرِّ وَالْمُسْتَأْجِرُ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ جَنَى عَلَى ثُلُثِ الْحُرِّ وَعَلَى ثُلُثِ الْعَبْدِ وَلَكِنَّ جِنَايَةَ الْمُكَاتَبِ تُوجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ نَفْسِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ نَفْسِهِ أَقَلَّ كَانَ الْمُسْتَوْفِي مِنْ تَرِكَتِهِ قِيمَتَهُ يُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ حُرًّا وَعَبْدًا يَحْفِرَانِ لَهُ بِئْرًا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمَا فَمَاتَا وَلِلْعَبْدِ مَوْلَيَانِ قَدْ أَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْحُرِّ وَلَا فِي نَصِيبِ الْآذِنِ مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ نَصِيبَ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ لِأَنَّ الْغَصْبَ بِالِاسْتِعْمَالِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي هَذَا النِّصْفِ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهِ وَرَثَةُ الْحُرِّ بِرُبْعِ دِيَةِ الْحُرِّ لِأَنَّ الْعَبْدَ كُلَّهُ مُتْلِفٌ لِنُصَفَّ الْحُرّ فَإِنَّ مَوْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا جَمِيعًا فَهَذَا النِّصْفُ مِنْ الْعَبْدِ إنَّمَا جَنَى عَلَى رُبْعِ الْحُرِّ وَقَدْ مَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلَا فَتَرْجِعُ وَرَثَةُ الْحُرِّ فِي ذَلِكَ الْبَدَلِ بِرُبْعِ دِيَةِ الْحُرِّ وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ النِّصْفِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ مَشْغُولًا فَإِذَا اسْتَحَقَّ بِذَلِكَ بِشُغْلٍ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا فَرَجَعَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى لِيُسَلِّمَ لَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَارِغًا ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ قَدْ مَلَكَ هَذَا النِّصْفَ بِالضَّمَانِ وَقَدْ تَلِفَ نِصْفُ هَذَا النِّصْفِ بِجِنَايَةِ الْحُرِّ فَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ بِرُبْعِ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَيُسَلِّمُ لَهُ ذَلِكَ وَيَرْجِعُ الْآذِنُ لِلْعَبْدِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ بِرُبْعِ قِيمَةِ الْعَبْدِ ثُمَّ هَذَا النِّصْفُ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ جَنَى عَلَى رُبْعِ الْحُرِّ وَقَدْ فَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا فَيَرْجِعُ وَرَثَةُ الْحُرِّ فِي ذَلِكَ الرُّبْعِ بِرُبْعِ دِيَةِ الْحُرِّ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ مَعْنَى الْغَصْبِ هَاهُنَا قَدْ انْعَدَمَ وَإِنَّمَا يَبْقَى حُكْمُ الْجِنَايَةِ وَقَدْ جَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِذَلِكَ وَرَثَةُ الْحُرِّ عَلَى مَوْلَى الْعَبْدِ فَيَأْخُذُونَهُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ قَدْ جَنَى عَلَى نِصْفِ الْحُرِّ وَقَدْ فَاتَ وَأَخْلَفَ هَذَا الْبَدَلَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ كَانَ يَضْمَنُ فِيمَا سَبَقَ بِاعْتِبَارِ الْغَصْبِ وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ حِينَ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا مَأْذُونٌ لَهُ وَالْآخَرُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَحَفَرَا بِئْرًا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمَا فَمَاتَ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِمَوَالِيهِ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ لَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ مَوْلَى الْمَأْذُونِ لَهُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ كَانَ جَنَى عَلَى نِصْفِ الْمَأْذُونِ وَقَدْ مَاتَ وَأَخْلَفَ قِيمَةً فَيَرْجِعُ مَوْلَى الْمَأْذُونِ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْمَأْذُونِ ثُمَّ يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ لِمَوْلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مَا أَخَذَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ اُسْتُحِقَّ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنْ الْعَبْدِ فِي يَدِهِ ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ مَلَكَ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ وَقَدْ جَنَى الْمَأْذُونُ عَلَى نِصْفِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمَأْذُونُ وَأَخْلَفَ نِصْفَ الْقِيمَةِ فَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِيمَا أَخَذَهُ مَوْلَى الْمَأْذُونِ حَتَّى يُسَلِّمَ لَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَإِذَا احْتَفَرَ الرَّجُلُ بِئْرًا فِي دَارٍ لَا يَمْلِكُهَا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا وَقَعَ فِيهَا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَمَا هُوَ مُتَعَدٍّ بِالْحَفْرِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ أَقَرَّ رَبُّ الدَّارِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّ الضَّمَانَ قَدْ وَجَبَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ وَهُوَ بِقَوْلِهِ يُرِيدُ إسْقَاطَ ذَلِكَ الضَّمَانِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِمْ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ أَقَرَّ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَإِنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ بِالْحَفْرِ الْآنَ فِي مِلْكِهِ صَحَّ إذْنُهُ وَمَنْ أَقَرَّ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ يَكُونُ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ فَكَانَ الثَّابِتُ مِنْ الْإِذْنِ بِإِقْرَارِهِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ وَالْحَافِرُ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا فَإِذَا احْتَفَرَ الرَّجُلُ بِئْرًا فِي طَرِيقِ مَكَّةَ أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَيَافِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِالْحَفْرِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إذْ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ أَحَدٌ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَمْلِكُ بِالْحَفْرِ مَوْضِعَ بِئْرِهِ وَمَا حَوْلَهُ مِنْ الْحَرِيمِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ حَفَرَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا الْحَفْرِ فَهُوَ كَالْحَافِرِ فِي مِلْكِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ هُنَاكَ فُسْطَاطًا أَوْ اتَّخَذَ تَنُّورًا يَخْبِزُ فِيهِ أَوْ رَبَطَ هُنَاكَ دَابَّتَهُ لَمْ يَضْمَنْ مَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ فَعَلَهُ فِي مِلْكِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمَحَجَّةِ فَأَمَّا إذَا احْتَفَرَ فِي مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا يَقَعُ فِيهِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِلْعَامَّةِ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْأَمْصَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.